شهد واقع الصحة النفسية في الكويت اهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة، فالصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، والتطورات السريعة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أدت إلى ضغوط نفسية كبيرة على الأفراد في المجتمع الكويتي، مما يجعل من تعزيز الوعي وتطوير الخدمات النفسية أمراً لا بد منه بما يخدم الأفراد والمجتمع.
واقع الصحة النفسية في الكويت
الوعي بالصحة النفسية
يشهد الوعي بالصحة النفسية ارتفاعاً متزايداً، وذلك نتيجة للجهود المبذولة من قبل المتخصصين بهدف مكافحة الوصمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية والخجل من طلب المساعدة والخوف من إلقاء الأحكام، وقد ساهمت حملات التوعية في رفع مستوى الوعي، ومع ذلك يبدو أننا بحاجة لمزيد من الجهود من أجل فهم كامل للقضايا النفسية والحصول على دعم من قبل الحكومة والمجتمع للأفراد الذين يعانون.
الخدمات المتاحة
تبذل الحكومة والمنظمات غير الحكومية في الكويت جهوداً كبيرة في سبيل توفير الرعاية النفسية لكافة الأفراد، وذلك عن طريق تقديم خدمات الصحة النفسية ضمن المستشفيات العامة مما يسهل الوصول للتشخيص المناسب والعلاج لمختلف الأعمار.
كما أن المدارس والجامعات قد بدأت بدمج الصحة النفسية ضمن مناهجها، ويتم تقديم الاستشارات النفسية ضمن المدارس والجامعات وبيئات العمل بهدف تعزيز الصحة النفسية للجميع ومساعدتهم على مواجهة الضغوط.
وينتشر عدد كبير من المراكز والعيادات النفسية الخاصة في مختلف أنحاء الكويت، والتي تقدم الاستشارات والعلاج النفسي الفردي والجماعي.
بالإضافة إلى الجهود المبذولة من قبل الجمعيات الأهلية والمؤسسات غير الحكومية في نشر الوعي بالصحة النفسية عن طريق حملات التوعية وتقديم الاستشارات النفسية المجانية أو بأسعار رمزية بهدف وصول الدعم النفسي لكل فرد يحتاجه.
الإحصائيات
تشير الإحصائيات التي تم القيام بها في دولة الكويت إلى إصابة 20 % من السكان سنوياً بالإكتئاب، و60 % من الأفراد الذين يراجعون المراكز النفسية يكون لديهم قلق.
ويوجد 6000 مراجع شهرياً للمراكز النفسية في الكويت، كما يوجد سنوياً 2000 ملف جديد.
تشير هذه الإحصائيات إلى التحديات التي تواجه واقع الصحة النفسية في الكويت، وأهمية زيادة الوعي بالصحة النفسية وتوفير الدعم النفسي المناسب للأفراد.
التحديات التي تواجه الصحة النفسية في الكويت
الوصمة الاجتماعية
يعاني المجتمع في الكويت من سوء فهم الاضطرابات والمشاكل النفسية، مما يشكل تحدياً للأفراد الذين يعانون نفسياً بسبب خوفهم من إطلاق الأحكام الاجتماعية أو إفشاء أسرارهم، بالإضافة لربط المشاكل النفسية بالجنون عند البعض مما يؤدي إلى تجنب طلب المساعدة و العلاج النفسي.
كما لوحظ خجل لدى الأفراد من الحديث عن المشاكل النفسية، واعتبار بعض العائلات إصابة أحد أفرادها باضطراب نفسي أمراً معيباُ ومحرجاً، والنظر إلى طلب العلاج النفسي على أنه ضعف.
نقص الكوادر المتخصصة
يعد نقص الكوادر المتخصصة من أبرز التحديات التي تواجه الصحة النفسية في الكويت، حيث تعاني الكويت من نقص الاطباء والأخصائيين النفسيين مقارنةً بالإقبال المتزايد على طلب خدمات الصحة النفسية.
الدعم الحكومي
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة الكويت في مجال الصحة النفسية، إلا أننا نلاحظ نقص بالتمويل في هذا المجال حيث أن الميزانية التي يتم رصدها للصحة نفسية تعتبر قليلة مقارنة بالصحة الجسدية، إضافةً لوجود نقص في عدد المراكز والمستشفيات المعنية بالصحة النفسية.
كما أن البرامج الحكومية التي تعنى بالوقاية من الاضطرابات النفسية سواء في المدارس أو في المجتمع بشكل عام تعتبر قليلة، وهناك ضعف في التنسيق بين الحكومة والجمعيات المدنية فيما يخص تقديم الخدمات النفسية أو دعم المبادرات.
التكنولوجيا وتأثيراتها
تنتشر وسال التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية في الكويت بشكل كبير، وعلى الرغم من فوائدها فإنها تعتبر عملة لها وجهان متناقضان فهي تحمل الخير والشر معاً، يمكن أن نلاحظ زيادة معدلات الإدمان الالكتروني على حساب النوم والعلاقات الاجتماعية وهو ما أدى إلى زيادة حالات الاكتئاب والقلق خاصة لدى الشباب.
إضافةً لإمكانية تعرض الأطفال والمراهقين للتنمر الالكتروني وتأثير ذلك على احترامهم لذاتهم ومسبباً لانعزال اجتماعي، وتعرض الشباب لتحديات بسبب مقارنة حياتهم مع ما يشاهدونه من نجاح ومثاليات لأشخاص في الفضاء الالكتروني.
قلة الوعي المجتمعي
وتعد قلة الوعي المجتمعي أحد أبرز التحديات التي تواجه الصحة النفسية في الكويت، فما زال العديد من الأفراد المصابين باضطرابات نسية يعانون من النظرة السلبية للمجتمع وهو ما يقف عائقاً في طلبهم للمساعدة المختصة.
بالإضافة للجهل الكبير لدى العديد بالأمراض النفسية وأعراضها وأسبابها وطرق التعامل معها، واعتبارها ضعف في الإيمان أو الإرادة مما يسبب شعور بالعار أو الخجل عند الإصابة بها وتجنب علاجها بالطريقة المناسبة.
خطوات للتغلب على التحديات وتحسين واقع الصحة النفسية في الكويت
زيادة التوعية
من المهم إطلاق الحكومة والجمعيات المدنية لحملات توعية عبر التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف نشر معلومات صحيحة وبأسلوب مفهوم عن الصحة النفسية والاضطرابات النفسية وأعراضها، وضرورة طلب المساعدة المختصة عند الحاجة.
كما أن قيام المؤثرين في المجتمع الكويتي من فنانين ورياضيين وعلماء بمشاركة تجاربهم والتحدث عن كيفية نجاحهم في التغلب على الاضطرابات التي عانوا منها، لها إسهام كبير في نشر الوعي وتجيع الأفراد على طلب المساعدة بدون عوائق أو خجل.
تطوير الخدمات
على الحكومة أن تقوم بزيادة عدد المراكز النفسية بحيث تغطي جميع المناطق في دولة الكويت حتى يتمكن كل الأفراد من الوصول للخدمات النفسية، وزيادة عدد الكوادر النفسية في هذه المراكز من أطباء وأخصائيين نفسيين مؤهلين بما يتناسب مع زيادة الطلب على الرعاية النفسية، والعمل على توسيع الخدمات المتاحة في المراكز الحالية لتتعامل مع جميع الاضطرابات وتقدم العلاج الفردي والجماعي لكل الأعمار.
وان تقوم بزيادة الاستثمار في مجال الصحة النفسية ووضع ميزانية أكبر ضمن موازنة وزارة الصحة لقطاع الصحة النفسية.
تعزيز الكوادر المتخصصة
من الضروري أن تقوم وزارة الصحة بإنشاء برامج تعليمية متخصصة بالطب النفسي والإرشاد النفسي، وإضافة مقررات متعلقة بالصحة النفسية ضمن مناهج كليات الطب والتمريض، وأن تقوم الحكومة بتقديم منح داخلية وخارجية للطلاب الذين يرغبون بدراسة التخصصات النفسية.
ومن المهم تطوير برامج تدريبية تساعد على تأهيل الأطباء والأخصائيين النفسيين، وزيادة الحوافز المهنية من رواتب ومكافآت لتحفيزهم والتشجيع على العمل في مجال الصحة النفسية.
تعزيز دور التكنولوجيا
عن طريق إنشاء مواقع ومنصات متخصصة بالصحة النفسية كمنصة دكتورك مما يتيح للأفراد الحصول على الدعم والعلاج النفسي بسهولة وسرية تامة.
وأن يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لنشر محتوى توعوي حول الصحة النفسية والاضطرابات النفسية وأعراضها وكفية التعامل معها وأهمية طلب المساعدة المتخصصة في الوقت المناسب.
تعزيز دور المؤسسات المجتمعية والدينية
إن قيام رجال الدين المسلم والمسيحي بإلقاء خطب في الجوامع والكناس فيما يخص الصحة النفسية وأهميتها، يساعد على تقليل الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية ويشجع الأفراد على طلب المساعدة المتخصصة دون شعور بالخجل والعار
خلاصة المقالة
على الرغم من التحديات التي تواجه واقع الصحة النفسية في الكويت من شعور بالخجل نتيجة الإصابة بأحد الاضطرابات النفسيةوالوصمة المرتبطة بها والنقص في الكوادر والتأثيرات السلبية للتكنولوجيا، إلا أن هناك تطور ملموس في هذا المجال نتيجة الاهتمام الحكومي المتزايد بالصحة النفسية، والعمل على زيادة التوعية بأهمية الصحة النفسية وضرورة طلب المساعدة المتخصصة في الوقت المناسب.
المصادر والمراجع:
- Gearing, R. E., & Saini, M. (2021). Stigma and barriers to accessing mental health services in Arab cultures: A systematic review. Journal of Cross-Cultural Psychology, 52(7), 651-673. https://doi.org/10.1177/00220221211014240
- Al-Darmaki, F. R. (2022). The role of stigma in seeking psychological help among Arab students: A Gulf perspective. Arab Journal of Psychiatry, 33(2), 45-53.
- Ministry of Health, Kuwait. (2020). Annual Health Report: Overview of mental health services. Kuwait City: Ministry of Health. Retrieved from https://www.moh.gov.kw
- Al-Munajjed, M., & Sabbagh, K. (2019). Youth in the GCC: Meeting the challenges of mental health. Arab Gulf States Institute. Retrieved from https://agsiw.org
- Ahmed, A. M., & Al-Kandari, J. (2021). Prevalence and factors associated with anxiety and depression among university students in Kuwait. Middle East Journal of Psychiatry, 28(1), 23-30. https://doi.org/10.1016/j.mejpsy.2021.02.005
- Al-Khaldi, S. (2019). The impact of technology on mental health: Trends among adolescents in Kuwait. International Journal of Adolescence and Youth, 24(4), 329-342. https://doi.org/10.1080/02673843.2019.1636742
- Aloud, N., & Rathur, A. (2019). Factors influencing attitudes toward mental health treatment in Kuwait: A public health approach. BMC Public Health, 19(1), 232. https://doi.org/10.1186/s12889-019-6637-7
- American Psychiatric Association. (2021). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.). Arlington, VA: APA Publishing.